لا شك أن المؤامرة الصهيونية الغاشمة على الاقصى ستشتد في المرحلة القادمة وربما تتصاعد إلى حد تقويضه لا سمح الله، وذلك بالنظر إلى تواضع ردات الفعل العربية إزاء عمليات استهدافه المستمرة، وقد خلت الشوارع العربية، والعواصم العربية من الفعل. وقد تجردت غالبية دول المنطقة من عوامل استقرارها، وباتت تعاني من اوضاع داخلية مقلقلة على خلفية الأحداث الأخيرة التي ضربت في الإقليم العربي، وأدت إلى توهينه، وبما يفوق أسوأ التوقعات سوءاً للواقع العربي.
وقد خرجت عدة جيوش عربية مهمة من دائرة توازن القوى التي اختلت لصالح الجيش الإسرائيلي حيث تعرض الجيش العراقي للحل، وتم تمزيق الجيش السوري، ووضع الجيش المصري على الحياد.
وغابت عن الساحة العربية قيادات ورموز عربية مهمة تؤمن بالوحدة، وبالمصير العربي المشترك، ولم يبق من النظام العربي القديم سوى بقايا نظم يتنازعها الخوف على مصيرها، وباتت في حالة تأهب لمواجهة قوى التغيير في بلدانها.
والميليشيات المسلحة التي ولدتها حالة الاضطراب في المنطقة لا تقدم نفسها نصيراً للقضايا العربية، وعلى رأسها التمادي الاسرائيلي المدعوم غربياً في حق الأقصى الشريف، وإنما تواصل حربها في الداخل العربي لأسباب أخرى.
وقد أسفرت حالة الفعل السياسي في المنطقة في سياق ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي عن صدمة الشعوب العربية التي تعاني مرارة الخذلان في ضوء النتائج السلبية التي نجمت عن واحدة من أهم حركات الشعوب، وأصدقها تعبيراً عن ذاتها ووجدانها، وروحها العظيمة، والتي كان مقدرا لها أن تغير وجه التاريخ العربي، ولكنها بفعل التدخل الغربي المباشر أورثت المنطقة المزيد من التفتيت، وصارت تهدد بإعادة تقسيم الدول على أسس طائفية، وإحياء الصراع الشيعي – السني.
وانكفأت القوى السياسية العربية التي أثارت ضرورة التغيير، والتي كانت تقوده، وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين، وقد أصبحت في مواجهة ردة فعل الأنظمة العربية العنيفة، وكان أشدها مأساوية على الإطلاق ما أضفى عليه العالم الديموقراطي صمته المريب، وتمثل ما تعرض له التنظيم في مصر
وبذلك خلت الشوارع العربية من القدرة على الفعل، وقد أسقط بأيدي الشعوب العربية، وعمت الفوضى والاضطرابات وجه العالم العربي، وغابت الجيوش العربية الرئيسة عن مشهد الصراع، وفقدنا القيادة الرمزية التي كانت تثير في العرب مشاعر الكبرياء.
والأحزاب والقوى السياسية العربية باتت في حالة وهن أثر سقوط مشروع التغيير التاريخي رغم فداحة المجريات، والتي أدت الى سقوط العديد من رؤساء المنطقة وتوزعهم بين قتيل، وسجين، وفار من وجه شعبه، ومن أحرقته الثورة، أو من ينتظر مصيره الدامي أثر الأحداث التي اندلعت في وجهه.
وبذلك تبدل الوجه السياسي في المنطقة ، ودخلت في تغيير غير مسبوق فبعد أن كانت فلسطين وحدها تكتوي بنار الاحتلال، وتعاني مرارة الاستعمار، والقتل والدمار والتشريد أصبحت مشاهد القتل اليومية والتفجيرات والدمار تطال العديد من الدول العربية، واشترك مع الفلسطينيين في الآمهم اليومية الكثير من العرب الذين يعانون نفس الظروف، وبعد أن كان اللجوء هوية الفلسطيني التحق به أخوة عرب منهم العراقي، وها هو السوري يخوض ذات التجربة. وانتقل المشهد الدامي ليلون وجه المنطقة.
وبذلك انكشفت القضية الفلسطينية، وضعفت دعائم ثوابتها إلا من الفلسطينيين أنفسهم، ومدى تمسكهم بحقوقهم التاريخية على أرضهم، وبات الأقصى في خطر داهم، وبدأت بالونات الاختبار الصهيونية للمس به، واغتنام الفرصة التاريخية في استهدافه، وصولاً إلى تقويضه لا سمح الله على ضوء النتائج في الوضع العربي.
والصهاينة يراهنون على حالة الإقليم العربي الشعبية والرسمية المتراجعة، وهم ماضون في مؤامراتهم، وقد يتعرض المسجد إلى الهدم أو التدمير. وما محاولات اقتحامه، ومنع الصلاة فيه، والتواطؤ على تدنيسه إلا مقدمات لاجتثاثه لأنه بؤرة الصراع التاريخي هذا فيما لو صمتت الأمة، ولم تبدي حراكاً.
وهذا الخطر الداهم يستوجب أن يصحو الضمير العربي، والإسلامي، فالأقصى يمثل جوهر الصراع الإسلامي – اليهودي عبر التاريخ، وهو رمز ديني كبير للأمة الإسلامية، وهو أمانة تاريخية في أعناق المسلمين، وقد كان تاريخياً المحرك للصراع بين الشرق والغرب، وقد درجت القوى الغربية على محاولات انزاعه من أيدي العرب والمسلمين، وكانت تواجه بالصد، وبالقادة التاريخيين الذين يعيدونه، ويعيدون معه الكرامة والكبرياء، والاعتزاز بالشعور الديني والقومي.
وإن القادة الذين يحمون الأقصى، أو يعيدونه من بعد الأسر يدخلون التاريخ من أوسع أبوابه، والمفرطين به يسقطون من حساب التاريخ، والأمم العزيزة لا تترك مقدساتها، وترابها الوطني قيد التدنيس، وإنما تثور لعزتها، وكرامتها، ودينها.